مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر- أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
على إثر ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، نادى البعض بتغيير اسم «مصر»، مطالباً بإضافة وصف «الإسلامية» إليها. كذلك، وفي إطار ما شهدته المنطقة العربية من ظهور ما أطلق عليه ثورات الربيع العربي، شهدنا حالة واقعية لتغيير اسم إحدى الدول القريبة منا جغرافيا وتاريخيا ولغة ومصيراً، ونعني بذلك الجارة الشقيقة ليبيا. فقد قام الثوار بتغيير اسمها مؤقتاً إلى «ليبيا الحرة»، مؤكدين أن هذا الاسم مؤقت، وأن الاسم الدائم ينبغي أن يكون بواسطة السلطات الدستورية المنتخبة. وهكذا، وبعد أن كانت ليبيا الشقيقة تتمتع بأطول اسم رسمي بين دول العالم، وهو «الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي»، صار اسمها المؤقت هو «ليبيا الحرة»، وذلك توطئة لاختيار اسم رسمي جديد لها بواسطة سلطاتها الدستورية المنتخبة. وفي الجمهورية السورية، ثار الحديث مؤخراً عن مشروع دستور جديد يعمد إلى حذف وصف «العربية» من الاسم الرسمي للدولة، وبحيث يصبح «الجمهورية السورية»، بدلاً من الاسم الحالي لها، وهو «الجمهورية العربية السورية». وفي شهر مارس الماضي، طلبت تركيا من الأمم المتحدة الإشارة إلى تركيا باستخدام لفظة (Türkiye)، كما تكتب وتنطق في اللغة التركية، بدلاً من (Turkey).
والواقع أن الأسماء الرسمية للدول على قدر كبير من الأهمية، وتعكس عنصراً أو أكثر من عناصر الهوية الوطنية لها. ولذلك، ومن قبيل الاعتزاز بالهوية الوطنية، تحرص كل دولة على أن يتم استخدام الاسم الرسمي لها في المحافل الرسمية والدولية. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نشير إلى واقعة طريفة حدثت في الأمم المتحدة. فخلال الاجتماعات الدورية، تحدث مندوب اليابان عن المخاطر النووية في شرق آسيا، متهما صراحة «كوريا الشمالية». ويبدو أن الاتهامات اليابانية لم تكن السبب الوحيد لغضب المندوب الكوري الشمالي، وإنما كان هناك سبب آخر، وهو عدم نطق اسم دولته كاملاً، وهو «جمهورية كوريا الشمالية الديمقراطية»، من قبل المندوب الياباني. ولذلك، وحين أتى دوره للحديث، تعمد رد الإهانة، وأشار إلى «اليابان» مستخدما تعبير (The Japs)، وهو اختصار مشين أطلقه الأمريكان على اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية. وعلى إثر ذلك، اعترض المندوب الياباني، ورفع شكوى عاجلة لرئيس المجلس الذي وبخ المندوب الكوري الشمالي وحذر مندوب اليابان، فخرج كلاهما من الجلسة، وانفضت الجلسة. من ناحية أخرى، لعلنا نتذكر جميعا استخدام وسائل الإعلام الرسمية المصرية في حقبة الثمانينات تسمية «ساحل العاج»، للدلالة على تلك الدولة الأفريقية الواقعة في جنوب غرب أفريقيا. ولكن، وعلى إثر احتجاج رسمي من سلطات هذه الدولة، بدأت تختفي تلك التسمية تدريجياً، وبحيث حل محلها مسمى «كوت ديفوار». وتجدر الإشارة هنا إلى أن «ساحل العاج» هي الترجمـة العـربية لاسـم هذه الدولة الإفريقية، وهـو (Côte d’Ivoire)، واسمها الرسمي هو (La République du Côte d’Ivoire). وقد يثير الاسم الرسمي لدولة ما مشكلة دبلوماسية وسياسية مع إحدى الدول الأخرى. ولعل أبرز مثال على ذلك يكمن في اعتراض دولة اليونان على الاسم الرسمي لدولة مقدونيا. ويرجع سبب الاعتراض إلى أنها تحمل نفس اسم إحدى المدن اليونانية الواقعة في شمالها، أي على الحدود مع الجمهورية الوليدة. وقد تسبب هذا الاعتراض في تأخير انضمام الجمهورية اليوغوسلافية السابقة إلى الاتحاد الأوربي وإلى حلف الأطلسي. وبسبب هذا الخلاف، تم قبول جمهورية مقدونيا في الأمم المتحدة تحت اسم «فيروم» (Fayrom)، وهو اختصار لعبارة «جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة».
ومع ذلك، من النادر أن يتم إفراد مادة في الدساتير لبيان وتحديد الاسم الرسمي للدولة. ولكن، يحرص المشرع الدستوري على استخدام هذا الاسم في العديد من نصوص الدستور. فعلى سبيل المثال، ووفقا للمادة الأولى من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011م، «جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة…». وطبقا للمادة الخامسة من الإعلان ذاته، «يقوم الاقتصاد في جمهورية مصر العربية على تنمية النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفالة الأشكال المختلفة للملكية والحفاظ على حقوق العمال». وقد اقتبس الإعلان الدستوري هاتين المادتين حرفيا من الدستور المصري لسنة 1971م، حيث تضمن هذا الدستور ذات الحكمين، وذلك في المادتين الأولى والرابعة منه. كذلك، كانت المادة الخامسة من هذا الدستور تنص على أن «يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور». وبالاطلاع على الدستور المصري الحالي، نجد أنه قد استخدم الاسم الرسمي للدولة في أكثر من موضع، نذكر منها على سبيل المثال المادة الأولى الفقرة الأولى من الدستور، بنصها على أن «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون». ويبدو أن الفقرة الثانية من المادة ذاتها تبرر هذه التسمية، وتفصح عن السبب وراء الحرص على إيراد نعت «العربية» في الاسم الرسمي للدولة، وذلك بنصها على «الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الأفريقية، وتعتز بامتدادها الأسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية».
وهكذا، حرص المشرع الدستوري المصري، سواء في الدستور الملغي لعام 1971م أو في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011م أو في الدستور الحالي لعام 2014م، على ذكر الاسم الرسمي للدولة، كلما اقتضى الأمر الإشارة إليه. ومن مجموع هذه النصوص، يبدو جليا أن الاسم الرسمي لمصرنا الحبيبة هو «جمهورية مصر العربية»، ويتم ترجمتها إلى اللغة الانجليزية على النحو التالي: (Arab Republic of Egypt). أما باللغة الفرنسية، فيتم ترجمتها كما يلي: (La République Arabe d’Egypte).
وبالتمعن في الأسماء الرسمية للدول، نجد أن هذا الاسم عادة ما يعبر عن نظام الحكم فيها، وما إذا جمهورياً أو ملكياً. ففي النظم الجمهورية، عادة ما يظهر لفظ «جمهورية» (Republic) في الاسم الرسمي للدولة. وقد يتم استخدام لفظ «جمهورية» متبوعاً باسم الدولة، كما هو الشأن بالنسبة لجمهورية العراق وجمهورية جيبوتي وجمهورية السودان وجمهورية تركيا. وقد يتم استخدام الاسم في صيغة النعت، كما هو الحال بالنسبة للجمهورية التونسـية والجمهورية اليمنية والجمهورية اللبنانية والجمهورية الفرنسـية والجمهورية البرتغالية والجمهورية الإيطالية والجمهورية التشيكية والجمهورية اليونانية والجمهورية التوجولية والجمهورية الجابونية والجمهورية الأرجنتينية، والجمهورية القرغيزية والجمهورية السلوفاكية.
وفي النظم الملكية، عادة ما يظهر لفظ «مملكة» (Kingdom) في المسمى الرسمي للدولة، كما هو الشأن بالنسبة لمملكة البحرين ومملكة اسبانيا ومملكة بلجيكا ومملكة تايلاند ومملكة السويد. وقد يتم ذكر اسم المملكة في صيغة النعت، كما هو الحال بالنسبة للمملكة المغربية. وقريب من ذلك، أن بعض الدول تستخدم مصطلح «إمارة» في اسمها الرسمي، كما هو الحال بالنسبة لإمارة أندورا وإمارة ليختنشتاين وإمارة موناكو. وقد يتم استخدام لفظ «دوقية»، كما هو الحال بالنسبة إلى «دوقية لوكسمبورج الكبرى». وقد تستخدم بعض الدول لفظ «السلطنة»، كما هو الحال بالنسبة إلى «سلطنة عمان».
وقد يتم الاكتفاء باسم الدولة مسبوقاً بلفظ «جمهورية» أو لفظ «مملكة»، كما هو الحال في الأمثلة السابقة. ولكن، وفي حالات أخرى، قد تعمد الدولة إلى إضافة ما يدل على هويتها في المسمى الرسمي لها. فعلى سبيل المثال، تحرص العديد من الدول العربية على ذكر نعت «العربية» ضمن اسمها الرسمي، كما هو الحال بالنسبة إلى «جمهورية مصر العربية» «الجمهورية العربية السورية». وتعمد بعض الدول الإسلامية إلى ذكر وصف «الإسلامية» ضمن اسمها الرسمي. ومن الأمثلة على ذلك، نذكر جمهورية موريتانيا الإسلامية وجمهورية أفغانستان الإسلامية وجمهورية باكستان الإسلامية وجمهورية إيران الإسلامية.
وقد تعمد بعض الدول إلى ذكر لفظ «دولة» في اسمها الرسمي. وللتدليل على ذلك، نذكر في محيطنا العربي دولة الكويت ودولة قطر. ومن الأمثلة على ذلك، نذكر الكيان الصهيوني، والمسمى «دولة إسرائيل» و«دولة إريتريا». وقد تضيف بعض الدول لفظ مستقلة، كما هو الشأن بالنسبة لدولة بابوا غينيا الجديدة المستقلة ودولة ساموا المستقلة.
وقد تعمد بعض الدول إلى ذكر اسمها الرسمي مجرداً، دون أن يكون مسبوقاً بأي لفظ آخر. فلا يوجد ضمن اسمها الرسمي ما يمكن أن يدل على نظام الحكم فيها أو على هويتها، وإنما تكتفي بذكر اسمها فقط. ومن أمثلة ذلك، نذكر اليابان وماليزيا وكندا وأوكرانيا وإيرلندا وجورجيا ورومانيا وبوركينا فاسو، وجامايكا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وتركمانستان وجرينادا ومنغوليا ونيبال ونيوزلندا وأنتيجوا وباربودا وباربادوس وبروناي دار السلام وبليز وسانت فينسنت وجزر جرينادين وسانت لوسيا وتوفالو وجزر سليمان. وفي عالمنا العربي، نذكر الاسم الرسمي لدولة الصومال، وهو لفظ «الصومال» مجرداً (Somalia).
وتحرص الدول الاتحادية على بيان ما يدل على شكل الدولة في اسمها الرسمي. ومن الأمثلة على ذلك، نذكر التجربة الوحدوية الناجحة الوحيدة في عالمنا العربي، وهي «الإمارات العربية المتحدة». كذلك، نشير إلى الاسم الرسمي لبعض الدول الاتحادية الأخرى، مثل «جمهورية ألمانيا الاتحادية» و«جمهورية البرازيل الاتحادية» و«جمهورية نيجيريا الاتحادية» و«الولايات المتحدة الأمريكية» و«الولايات المكسيكية المتحدة» و«المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية» و«جمهورية تنزانيا المتحدة» و«ولايات ميكرونيزيا الموحدة» و«الاتحاد الروسي» و«الاتحاد السويسري» و«اتحاد جزر القمر» و«اتحاد بورما» أو ميانمار و«اتحاد سانت كيتس ونيفيس».
وتحرص الدول الاشتراكية على تضمين اسمها الرسمي وصف «الشعبية» أو أي وصف آخر دال على النهج الاشتراكي. ومن أمثلة ذلك، نذكر «الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية» والاسم القديم لليبيا في حقبة القذافي، وهو «الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي». كذلك، وعلى المستوى العالمي، نذكر «جمهورية الصين الشعبية» وجمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية وجمهورية سريلانكا الاشتراكية الديمقراطية وجمهورية بنجلاديش الشعبية وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وجمهورية فيتنام الاشتراكية. كذلك، نرى من المناسب هنا أن نذكر الاسم الرسمي لجمهورية جيانا التعاونية.
وتحرص بعض الدول الاشتراكية على ذكر نعت «الديمقراطية» ضمن اسمها الرسمي. وتقع هذه الدول في قارتي أفريقيا وآسيا. ومن أمثلة ذلك، وفي قارة أفريقيا، نذكر جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية ساوتومي وبرنسيب الديمقراطية. وفي قارة آسيا، نذكر الاسم الرسمي لجمهورية سريلانكا الاشتراكية الديمقراطية والاسم الرسمي لجمهورية تيمور – ليشتي الديمقراطية وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وجمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية.
وتحرص بعض دول الكومنولث على ذكر انتماءها إلى الكومنولث في اسمها الرسمي. وللتدليل على ذلك يكفي أن نذكر هنا الاسم الرسمي لجزر البهاما، وهو كومنولث البهاما وكومنولث دومينيكا واستراليا.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى وجود علاقة بين أسماء بعض الدول وبين بعض الشخصيات التاريخية، بحيث يشير اسمها إلى اسم شخصية تاريخية معينة لعبت دوراً ما في نشأة هذه الدولة أو لعبت دوراً مؤثراً في تاريخها. ولعل أبرز مثال على ذلك يكمن في المملكة العربية السعودية، حيث تشير كلمة «السعودية» إلى الإمام «سعود بن محمد بن مقرن» حاكم الدرعية والمؤسس الأول للأسرة السعودية الحاكمة. والسعودية ليست هي المثال الوحيد في هذا الشأن، وإنما يمكن أن نذكر أسماء بعض الدول الأخرى مثل بوليفيا والفلبين وأمريكا وكولومبيا والصين، والتي تنسب بدورها إلى شخصيات تاريخية عظيمة. بيان ذلك أن بوليفيا تنسب إلى المناضل الفنزويلي المعروف «سيمون بوليفار» (1783- 1830). وذات الحال ينطبق على الاسم الرسمي لفنزويلا، وهو «جمهورية فنزويلا البوليفارية». ودولة كولومبيا تنتسب بدورها إلى المستكشف الإيطالي الشهير «كريستوفر كولومبس» (1451 - 1506). واسم دولة الفلبين مأخوذ من اسم ملك اسبانيا «فيليب الثاني» (1527- 1598). بل إن القارة الأمريكية تنتسب في اسمها إلى المستكشف الإيطالي «أمريكو فيزبوتشي» (1451- 1512). وهكذا، فإن اسم الدولة الأقوى في العالم حاليا، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، يشير بدوره إلى اسم هذا المستكشف الإيطالي. ويؤكد بعض المؤرخين أن التنين الصيني يتنسب إلى الإمبراطور «تشن يو»، والذي يعد أول من وحد المقاطعات الصينية قبل أربعة آلاف عام، جامعا إياها في إمبراطورية واحدة عاصمتها «بكين». ويمكن أن نذكر هنا أيضا «المملكة الأردنية الهاشمية»، والتي قصد في اسمها التأكيد على نسب الأسرة المالكة فيها، وأنها تنتسب إلى بني هاشم، أجداد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. وباستثناء الصين، لعل القارئ العزيز يلاحظ أن معظم الدول المنتسبة إلى شخصيات حقيقية هي دول حديثة نسبيا. ومن ثم، يغدو من الطبيعي افتراض أن أسماء بعض الدول القديمة تعود بدورها إلى شخصيات حقيقية نسيت عبر الزمن. فعلى حد علمي، لا أحد يعرف الأصل الحقيقي لأسماء بعض الدول، مثل كوريا وكمبوديا ومنغوليا وأفغانستان. وفي المقابل، ثمة دول ومقاطعات يمكن ربطها بسهولة بأسماء أشخاص معروفين، كما هو الشأن بالنسبة للإمارة البريطانية «ويلز» ومدينة «واشنطن» والدولة السوفيتية السابقة «جورجيا» وجزر سليمان وجزر «كوك» وجمهورية جزر «مارشال» وجزر «فوكلاند» ودولة سانت لوسيا ودولة سانت فانسنت.
تغيير أسماء بعض الدول
باستقراء التاريخ الحديث والمعاصر، نجد أن العديد من الدول قامت بتغيير أسماءها، مدفوعة في ذلك بأسباب مختلفة. ويرصد تقرير لمجلة (The Economist) البريطانية الأسباب التي تدفع بعض الدول إلى تغيير اسمائها. ووفقاً لهذا التقرير، فإن السبب الأكثر شيوعاً في سعى الدول لتغيير أسمائها هو الرغبة في التخلص من أغلال الاستعمار. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد أن نالت عشرات الدول استقلالها، قامت العديد من هذه الدول بإعادة تسمية المدن والمؤسسات لتعكس الثقافات المحلية بعيداً عن الأسماء التي فرضها المستعمرون، والتي كانت مرفوضة بالطبع من قادة حركات الاستقلال والتحرر في هذه الدول ومن جموع المواطنين. وتحت تأثير الروح الوطنية، ودغدغة الشعور بالولاء والانتماء لدى المواطنين، سعى قادة هذه الدول إلى التخلص من الأسماء التي فرضها المستعمر الأجنبي، ووضع بصمتهم الوطنية على بلدانهم. وللتدليل على ذلك، يمكن أن نشير أولاً إلى الحالة في «دولة روديسيا»، التي حملت لقب المستعمر البريطاني «سيسيل رودس»، وغيرت اسمها إلى «زيمبابوي» تحت حكم الأغلبية السوداء، وحدث ذلك عام 1980م. وفي الإطار ذاته، وفي القارة السوداء أيضاً، وفي سنة 1984م، قام توماس سانكارا بتغيير اسم «فولتا العليا» إلى «بوركينا فاسو». وفي الغرب الأفريقي أيضاً، وتطبيقاً لسياسة «الأصالة» التي عمد إلى اتباعها في بلاده، قام «جوزيف ديزيريه موبوتو» بتغيير اسمه إلى «موبوتو سيسي سيكو» وأجبر مواطنيه على التخلي عن الأسماء المسيحية أيضاً. كما قام بتغيير اسم بلاده من «جمهورية الكونجو» إلى «زائير» عام 1971م. ومن المفارقات في هذا الصدد أن «زائير» هو الاسم البرتغالي لنهر الكونجو، ومشتق من كلمة كيكونجو. ولذلك، وبعد انتهاء فترة حكمه في عام 1997م، عادت البلاد إلى استعمال اسمها السابق، وهو «جمهورية الكونجو»، مع إضافة نعت «الديمقراطية» إليه.
ولم يكن التخلص من آثار الاستعمار هو السبب الوحيد الدافع إلى تغيير أسماء بعض الدول. إذ أن بعض الدول الأخرى كان دافعها إلى التغيير هو الرغبة في اختصار الاسم، كما هو الشأن بالنسبة إلى «جمهورية التشيك» التي لديها نموذج قصير من كلمة واحدة باللغة التشيكية هي (Česko). وانطلاقاً من ذلك، ورغبة منها في استخدام اسم مختصر، وفي العام 2016م، طلبت من الدول الأخرى استخدام كلمة إنجليزية هي «التشيك» (Czech) أو (Czechia). وجدير بالذكر في هذا الصدد أن جمهورية التشيك كانت معروفة سابقاً باسم بوهيميا (Bohemia).
أما بيلاروسيا، فكانت تعرف باسم «روسيا البيضاء»، عندما كانت جمهورية سوفيتية. وعقب حصولها على الاستقلال، على إثر انهيار الاتحاد السوفيتي، اختارت الاسم الأقصر «بيلاروس»، مستلهمة اسم «كييفان روس»، وهي الدولة التي نشأت منها هي وروسيا.
وفي مكان آخر في أوروبا، كانت مقدونيا الشمالية تعرف باسم «جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة» بين الدبلوماسيين، لكنها أضافت إلى اسمها كلمة «شمال» أي «مقدونيا الشمالية» لحل خلاف دام لعدة عقود مع اليونان، التي رأت أن استخدامها كلمة «مقدونيا» فقط تعني ضمنياً المطالبة بأراض من المنطقة اليونانية التي تحمل الاسم ذاته. ومن ثم، عارضت اليونان انضمام مقدونيا للناتو لحين تغيير الاسم إلى «مقدونيا الشمالية». وقد حدث هذا التغيير بالفعل في العام 2019م. وفي القارة الأوربية أيضاً، يمكن أن نشير إلى حالة «مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين»، والتي تم تغيير اسمها سنة 1929م إلى يوغوسلافيا. ولكن، وعلى إثر انهيار الاتحاد اليوغوسلافي سنة 1991م، نشأت أربع دول مستقلة بأسماء جديدة تماماً، وهي جمهورية الصرب وجمهورية كرواتيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك.
ومن الدول الأخرى التي لجأت إلى تغيير اسمها، نذكر حالة الحبشة، والتي تم تغيير اسمها إلى إثيوبيا عام 1941م. كذلك، يجدر بالذكر الإشارة إلى حالة «داهومي»، والتي تم تغيير اسمها إلى «بنين» عام 1975م. كذلك، لجأ مملكة سوازيلاند إلى تغيير اسمها إلى إيسواتيني 2018م. وطلبت جمهورية الرأس الأخضر أن يشير العالم الناطق باللغة الإنجليزية إلى الدولة باسمها البرتغالي، وهو (Cabo Verde)، وتنطق كالتالي: «كابو فيردي»، وبدون أن يتم ترجمة الاسم إلى اللغة الانجليزية.
وتزخر القارة الأسيوية بالعديد من الأمثلة للدول التي قامت بتغيير الاسم الرسمي لها، نذكر منها بلاد فارس حيث تم تغيير الاسم إلى إيران سنة 1935م، ثم جرى تعديل الاسم بعد ذلك على إثر قيام الثورة الإسلامية سنة 1979م، وبحيث جرى إضافة نعت «الإسلامية» إلى الاسم الرسمي للدولة. كذلك، تجدر الإشارة إلى دولة بورما، والتي تم تغيير اسمها إلى ميانمار، وحدث ذلك سنة 1989م. ومن الأمثلة على ذلك أيضاً، نذكر «سيلان»، حيث تم تغيير الاسم إلى سريلانكا عام 1972م. كذلك، قامت سيام بتغيير الاسم الرسمي لها إلى تايلاند عام 1939م، ثم عادت إلى استخدام اسم سيام مرة أخرى عام 1946م، ثم قامت بالتغيير مرة ثالثة إلى تايلاند عام 1948م. وبدورها، قامت كمبوديا بتغيير الاسم الرسمي لها إلى الخمير عام 1970م، ثم إلى كمبوتشيا عام 1975م، ثم إلى كمبوديا عام 1990م. وفي جمهورية الهند، يسعى الهندوس إلى تغيير اسم الدولة، وبحيث يتم استخدام اسم آخر معبر عن القومية الهندوسية.
راجع بالتفصيل في هذا الصدد:
A guide to renamed cities, Some reasons for changing place-names are better than others, The Economist, Mar 26th 2022.
وفي الختام، وفيما يتعلق بالحالة المصرية، فإن ما يبعث على التفاؤل أن أحداً لن يجرؤ على المطالبة بتغيير اسم «مصر» نفسها، وذلك بالنظر لورود اسمها في القرآن الكريم في أكثر من آية قرآنية، نذكر منها قوله تعالى على لسان نبيه يوسف عليه السلام ﴿أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين﴾ (سورة يوسف: الآية 99). وقد قصدت من وراء هذه الآية تحديداً الإشارة إلى سبب آخر يدعونا للتفاؤل رغم الحقبة السوداء التي مرت بها مصرنا الحبيبة في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، والتي امتدت حتى نشوب ثورة الثلاثين من يونيو 2013م، وهو أن الله عز وجل قد أكد في قرآنه العزيز حفظ أرض الكنانة وأن تبقى دائماً بلد الأمن والأمان التي يكون آمناً فيها كل من يقيم على أرضها أو يأتي إليها للسياحة أو الزيارة أو لأي سبب مشروع آخر. ألا يدعونا ذلك إلى التفاؤل!!! ألا يدعو ذلك المفسدون في الأرض إلى الكف عن ظلمهم وعدوانهم وأن يتوقفوا عن الإساءة إلى مصر!!! أتمنى ذلك.
المنشور قراءة في أسماء الدول ظهر لأول مرة نقابة المحامين المصرية.