كتب/ عبدالعال فتحي
شددت محكمة النقض خلال حكمها بالطعن رقم ٢٤٨ لسنة ٤٤ قضائية ـ الدوائر الجنائية – جلسة ١٩٧٤/٠٣/١٠، مكتب فنى ( سنة ٢٥ – قاعدة ٥٥ – صفحة ٢٤٢ )، على أن توقيع الساحب على الشيك على بياض دون أن يدرج القيمة التي يحق للمستفيد تسلمها من المسحوب عليه أو دون إثبات تاريخ به لا يؤثر على صحة الشيك ما دام قد استوفى تلك البيانات قبل تقديمه للمسحوب عليه.
وأكدت أن إعطاء الشيك بغير إثبات القيمة أو التاريخ يفيد أن مصدره قد فوض المستفيد في وضع هذين البيانين قبل تقديمه للمسحوب عليه, وينحسر عنه بالضرورة عبء إثبات وجود هذا التفويض وطبيعته ومداه, وينقل هذا العبء إلى من يدعي خلاف هذا الظاهر – لما كان ذلك – وكان الطاعن لا ينازع في صحة توقيعه على الشيكين موضوع التداعي ولا يجادل في واقعة قيامه بتسليمهما للمدعي تسليماً صحيحاً فإن الحكم المطعون فيه إذ استخلص من ذلك التصرف أن الطاعن فوض المدعي في استكمال بياناتهما بإثبات تاريخ لهما وتحديد قيمتهما يكون استخلاصا موضوعياً سائغاً لا رقابة لمحكمة النقض عليه.
الحكم
جلسة ١٠ من مارس سنة ١٩٧٤
برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، ومحمد عادل مرزوق.
(٥٥)
الطعن رقم ٢٤٨ لسنة ٤٤ القضائية
(١ – ٩) شيك بدون رصيد. حكم. “بياناته. بيانات الديباجة”. بطلان. إثبات. “بوجه عام”. اختصاص. “اختصاص محلى”. جريمة. “أركانها”. باعث. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. أسباب الإباحة. “ضياع الشيك أو الحصول عليه عن طريق جرائم سلب المال”.
(١) خلو الحكم من بيان صدوره باسم الشعب. لا بطلان.
(٢) الأماكن التى أوردها نص المادة ٢١٧ إجراءات فى خصوص الاختصاص. بمحل الجريمة قسائم متساوية لا تفاضل بينها [(١)].
“مثال لتسبيب غير معيب فى جريمة إعطاء شيك بدون رصيد”.
(٣) كفاية أن يكون الشيك موقعا من الساحب ولو لم يكن هو محرر بياناته.
(٤) توقيع الساحب الشيك على بياض لا ينال من سلامته طالما استوفى بيان القيمة وتاريخ التحرير قبل تقديمه للمسحوب عليه. علة ذلك. إعطاء الشيك بدون إثبات القيمة أو التاريخ مفاده أن مصدره قد فوض المستفيد فى ملء هذين البيانين قبل تقديمه للمسحوب عليه دون أن يلزم بإثبات ذلك التفويض على من يدعى خلاف هذا الظاهر إثباته.
(٥) المنازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة على نحو سائغ من أوراق الدعوى أمام محكمة النقض. غير جائز.
(٦) جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب. علة ذلك. إعتباره أداة وفاء تجرى مجرى النقود فى المعاملات. لا عبرة بالأسباب التى دفعت لإصدار الشيك لإنها من قبيل البواعث التى لا تأثير لها فى قيام المسئولية الجنائية ما دام الشارع لم يستلزم نية خاصة فى هذه الجريمة. مثال لتسبيب غير معيب فى هذا الخصوص.
(٧) حالة ضياع الشيك وما يجرى مجراها – وهى الحالات التى يتحصل فيها على الشيك عن طريق جرائم سلب المال كالسرقة البسيطة والسرقة بظروف والنصب والتبديد وأيضا الحصول عليه بطريق التهديد – هى فقط التى تجيز للساحب أن يتخذ من جانبه ما يصون به ماله بغير توقف على حكم القضاء. علة ذلك. علو حق الساحب فى هذه الحالات على حق المستفيد إستنادا إلى سبب من أسباب الإباحة. الإدعاء بخيانة أمانة التوقيع على الشيك وملء بياناته على الواقع لا يسعف فى دفع المسئولية عن إصداره ولا يصلح مجردا سببا لإباحة هذا الفعل. علة ذلك. إن هذا الإدعاء يستلزم لحمايته إقامة دعوى به.
(٨) سوء النية فى جريمة إعطاء شيك بدون رصيد يتوافر بمجرد علم مصدر الشيك بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب فى تاريخ الاستحقاق. مثال لتسبيب غير معيب.
(٩) إقامة الحكم قضاءه على استخلاص سائغ من أدلة لها أصلها الثابت فى الأوراق. النعى عليه بالقصور فى التسبيب غير جائز.
١ – خلو الحكم من بيان صدوره باسم الشعب لا ينال من شرعيته أو يمس ذاتيته ولا يرتب بطلانه على ما قضت به هيئة المواد الجنائية وهيئة المواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرهما مجتمعتين.
٢ – تنص المادة ٢١٧ من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “يتعين الاختصاص بالمكان الذى وقعت فيه الجريمة أو الذى يقيم فيه المتهم أو الذى يقبض عليه فيه” وهذه الأماكن قسائم متساوية فى القانون لا تفاضل بينها – لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد دلل بأدلة – لا يجادل الطاعن فى أن لها معينها الأوراق – على أنه أى الطاعن يقيم بدائرة محكمة الجمالية وخلص إلى اختصاص تلك المحكمة محليا بنظر الدعوى فإن النعى على الحكم بقالة الخطأ فى تطبيق القانون يكون غير سديد.
٣ – لا يوجد فى القانون ما يلزم أن تكون بيانات الشيك محررة بخط الساحب، فقط يتعين أن يحمل الشيك توقيع الساحب لأن خلوه من هذا التوقيع يجعله ورقة لا قيمة لها ولا يؤبه بها فى التعامل.
٤ – توقيع الساحب على الشيك على بياض دون أن يدرج القيمة التى يحق للمستفيد تسلمها من المسحوب عليه أو دون إثبات تاريخ به لا يؤثر على صحة الشيك ما دام قد استوفى تلك البيانات قبل تقديمه للمسحوب عليه. إذ أن إعطاء الشيك بغير إثبات القيمة أو التاريخ يفيد أن مصدره قد فوض المستفيد فى وضع هذين البيانين قبل تقدمه للمسحوب عليه، وينحسر عنه بالضرورة عبء إثبات وجود هذا التفويض وطبيعته ومداه، وينقل هذا العبء إلى من يدعى خلاف هذا الظاهر – لما كان ذلك – وكان الطاعن لا ينازع فى صحة توقيعه على الشيكين موضوع التداعى ولا يجادل فى واقعة قيامه بتسليمهما للمدعى تسليما صحيحا فان الحكم المطعون فيه إذا استخلص من ذلك التصرف أن الطاعن فوض المدعى فى استكمال بياناتهما باثبات تاريخ لهما وتحديد قيمتهما يكون استخلاصا موضوعيا سائغا لا رقابة لمحكمة النقض عليه.
٥ – إذا كانت المحكمة قد انتهت نتيجة فهم سليم للواقع وبمالها من سلطة التقدير إلى أن المدعى بالحقوق المدنية لم يثبت فى الشيكين – فى بيانه لقيمتهما ما يخالف ما اتفق عليه الطرفان وانصرفت إليه إرادتهما من حيث نتيجة المحاسبة أو التصفية أو تحديد مبلغ المديونية فان ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون منازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوارق الدعوى وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
٦ – من المقرر أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب، إذ يتم بذلك طرح الشيك فى التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التى أسبغها الشارع بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجرى مجرى النقود فى المعاملات، ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التى دفعت لإصدار الشيك لأنها من قبيل البواعث التى لا تأثير لها فى قيام المسئولية الجنائية ما دام الشارع لم يستلزم نية خاصة فى هذه الجريمة – لما كان ذلك – فان الطاعن لا يجديه ما يثيره من جدل حول الأسباب والظروف التى أحاطت باصدار الشيكين وقوله بأنهما ما سلما إلى المدعى موقعا عليهما على بياض إلا ليكونا تأمينا للعمليات التجارية الجارية بينهما.
٧ – من المقرر أن حالة ضياع الشيك وما يدخل فى حكمها – وهى الحالات التى يتحصل فيها على الشيك عن طريق جرائم سلب المال كالسرقة البسيطة والسرقة بظروف والنصب والتبديد وأيضا الحصول عليه بطريق التهديد – هى التى أبيح فيها للساحب أن يتخذ من جانبه ما يصون به ما له بغير توقف على حكم القضاء تقديرا من الشارع بعلو حق الساحب فى تلك الحال على حق المستفيد استنادا إلى سبب من أسباب الإباحة وهو ما لا يصدق على الحقوق الأخرى التى لا بد لحمايتها من دعوى ولا تصلح مجردة سببا للاباحة – لما كان ذلك – فانه لا يجدى الطاعن ما يتذرع به لنفى مسئوليته الجنائية بقوله: إن المدعى بالحقوق المدنية قد خان أمانة التوقيع وملأ بيانات الشيكين على خلاف الواقع بما كان يتعين معه أن تمتد إليهما أسباب الإباحة على ما جرت به أحكام محكمة النقض هذا فضلا عن أن الحكم قد دلل تدليلا سائغا على أن دفاع الطاعن فى هذا الشأن يفتقر إلى الدليل المثبت له.
٨ – من المقرر أن سوء النية فى جريمة إعطاء شيك بدون رصيد يتوافر بمجرد علم مصدر الشيك بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب فى تاريخ الاستحقاق – لما كان ذلك – فان الأسباب التى ساقها الطاعن للتدليل على حسن نيته من توقيعه على الشيكين بسبب المعاملات التى كانت قائمة بينه وبين المدعى وما اقتضته من إصدارهما ضمانا لوفائه بالتزاماته ومن أنه وقت إصدارهما كان دائنا للمدعى بصفته لا مدينا لا تنفى توافر القصد الجنائى لديه ولا تؤثر فى مسئوليته الجنائية، ولا على المحكمة إن هى التفتت عن الرد على مناحى دفاعه فى هذا الشأن كما أنها صاحبة الحق فى تقدير قيمة ما يقدم إليها من أوراق.
٩ – لما كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة لها أصلها الثابت فى الأوراق، وكان استخلاصها سائغا وفيه الرد الضمنى على ما يخالف هذه الأدلة ويؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم، فان النعى عليه بدعوى القصور فى التسبيب يكون فى غير محله.
الوقائع
أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة الجمالية الجزئية ضد الطاعن بوصف أنه فى يومى ١٥ من أكتوبر و ٢٥ نوفمبر سنة ١٩٦٩ بدائرة قسم الجمالية محافظة القاهرة: أعطاه شيكين مسحوبين على بنك بور سعيد فرع المحلة الكبرى دون أن يكون لهما رصيد قائم وقابل للسحب. وطلب معاقبته بالمادتين ٣٣١ و٣٣٧ من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع له مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وفى أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة المذكورة دفع الحاضر مع المتهم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وبعد أن أتمت المحكمة نظرها قضت حضوريا بتاريخ ١٣ مايو سنة ١٩٧٠ عملا بمادتى الإتهام (أولا) برفض الدفع بعدم أختصاص المحكمة محليا بنظر الدعوى وباختصاصها (ثانيا) بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ وألزمته أن يدفع للمدعى بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالتعويض بالنفاذ المعجل وبلا كفالة.
فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم ومحكمة القاهرة الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضوريا بتاريخ ٦ يناير سنة ١٩٧٠ بقبول الإستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله مع إلزام رافعها بالمصروفات عن الدرجتين وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض.
كما طعن فيه أيضا المدعى بالحقوق المدنية وبتاريخ ٢٥ من أبريل سنة ١٩٧١ قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتفصل فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى.
والمحكمة المذكورة مشكلة من هيئة استئنافية أخرى – قضت بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للدعوى الجنائية والاكتفاء بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وتأييده فيما عدا ذلك وألزمته مصروفات الدعوى المدنية. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه، إذ دان الطاعن بجريمة إعطاء شيك بدون رصيد، قد اعتراه البطلان وأخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال ذلك بأنه خلا من بيان صدوره باسم الشعب، وصدر من محكمة غير مختصة محليا بنظر الدعوى إذ الثابت أن الطاعن ليس له محل إقامة دائم ومستقر بدائرة محكمة الجمالية. وقد دفع بعدم اختصاص تلك المحكمة بنظر الدعوى إلا أن للطاعن محل إقامة بدائرة المحكمة المذكورة وهو ما لا يتفق والواقع والقانون. هذا إلى أن الثابت أن الشيكين موضوع الدعوى قد وقع عليهما الطاعن على بياض وقام بتسليمهما للمدعى بالحقوق المدنية تأمينا للعمليات التجارية الجارية بينهما. وما أورده الحكم واستخلص منه صدور تفويض من الطاعن للمدعى باستكمال بياناتها وخاصة فيما يتعلق بقيمتهما لا يتسق مع الاستنتاج السليم.
كما أن وجود اتفاق سابق على ذلك التفويض أو الانابة أمر جوهرى يتعين على المدعى إثباته. فهو لا يفترض لتعلقه بعنصر من عناصر الجريمة المسندة إلى الطاعن. وإذ كان الثابت أن المدعى قد خان أمانة التوقيع وملأ بيانات الشيكين على خلاف الواقع، فان ذلك يعد جريمة يعاقب عليها طبقا للمادة ٣٤٠ من قانون العقوبات مما يتعين معه أن تمتد إليهما أسباب الإباحة على ما جرت به أحكام محكمة النقض. وأخيرا فقد قدم الطاعن المستندات المؤيدة لدفاعه القائم على أنه لم يكن مدنيا للمدعى وقت إصدار الشيكين بل كان دائنا، وأنه لا أصل لهما ولم يحررا إلا ضمانا للوفاء بالتزاماته مما ينتفى معه سوء النية إلا أن الحكم المطعون فيه أغفل هذا الدفاع مع جوهريته ولم يعن بالرد عليه، وذلك كله، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إعطاء شيك بدون رصيد، وأقام عليها فى حقه أدلة سائغة تؤدى إلى مارتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان خلو من بيان صدوره باسم الشعب لا ينال من شرعيته أو يمس ذاتيته ولا يرتب بطلانه على ما قضت به هيئة المواد الجنائية وهيئة المواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرهما بهذه المحكمة مجتمعتين، فان النعى عليه بهذا السبب يكون فى غير محله. ولما كانت المادة ٢١٧ من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أنه “يتعين الاختصاص بالمكان الذى وقعت فيه الجريمة أو الذى يقيم فيه المتهم أو الذى يقبض عليه فيه” وهذه الأماكن قسائم متساوية فى القانون لا تفاضل بينها وكان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد دلل بأدلة – لا يجادل الطاعن فى أن لها معينها في الأوراق – على أنه رأى الطاعن يقيم بدائرة محكمة الجمالية، وخلص إلى اختصاص تلك المحكمة محليا بنظر الدعوى، فان النعي علي الحكم بقالة الخطأ فى تطبيق القانون يكون بدوره غير سديد.
لما كان ذلك، وكان لا يوجد فى القانون ما يلزم أن تكون بيانات الشيك محررة بخط الساحب، وفقط يتعين أن يحمل الشيك توقيع الساحب لأن خلوه من هذا التوقيع يجعله ورقة لا قيمة لها ولا يؤبه بها فى التعامل، وكان توقيع الساحب على الشيك على بياض دون أن يدرج القيمة التى يحق للمستفيد تسلمها من المسحوب عليه أو دون إثبات تاريخ به لا يؤثر على صحة الشيك ما دام قد استوفى تلك البيانات قبل تقديمه للمسحوب عليه إذ أن إعطاء الشيك للصادر لمصلحته بغير إثبات القيمة أو التاريخ يفيد أن مصدره قد فوض المستفيد فى وضع هذين البيانين قبل تقدمه للمسحوب عليه، وينحسر عنه بالضرورة عبء إثبات وجود هذا التفويض وطبيعته ومداه، وينقل هذا العبء إلى من يدعى خلاف هذا الظاهر.
ولما كان الطاعن لا ينازع فى صحة توقيعه على الشيكين موضوع التداعى ولا يجادل فى واقعة قيامه بتسليمهما للمدعى تسليما صحيحا، فان الحكم المطعون فيه إذا استخلص من ذلك التصرف أن الطاعن فوض المدعى فى استكمال بياناتهما باثبات تاريخ لهما وتحديد قيمتهما، يكون استخلاصا موضوعيا سائغا لا رقابة لمحكمة النقض عليه. وإذ كانت المحكمة قد انتهت نتيجة فهم سليم للواقع وبما لها من سلطة التقدير إلى أن المدعى بالحقوق المدنية لم يثبت فى الشكين – فى بيانه لقيمتهما – ما يخالف ما اتفق الطرفان عليه وانصرفت إليه إرادتهما من حيث نتيجة المحاسبة أو التصفية أو تحديد مبلغ المديونية، فان ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون منازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوارق الدعوى وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ولا يجديه ما يثيره من جدل حول الأسباب والظروف التى أحاطت باصدار الشيكين وقوله بأنهما ما سلما إلى المدعى موقعا عليهما على بياض إلا ليكونا تأمينا للعمليات التجارية الجارية بينهما، ذلك أنه من المقرر أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب إذ يتم بذلك طرح الشيك فى التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التى أسبغها الشارع بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجرى مجرى النقود فى المعاملات ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التى دفعت لإصدار الشيك لأنها من قبيل البواعث التى لا تأثير لها فى قيام المسئولية الجنائية مادام الشارع لم يستلزم نية خاصة لقيام فى هذه الجريمة.
كما لا يجدى الطاعن ما يتذرع به لنفى مسئوليته الجنائية بقوله أن المدعى بالحقوق المدنية قد خان أمانة التوقيع وملأ بيانات الشيكين على خلاف الواقع بما كان يتعين معه أن تمتد إليهما أسباب الإباحة على ما جرت به أحكام محكمة النقض، ذلك أنه فضلا عن أن الحكم قد دلل تدليلا سائغا على أن دفاع الطاعن فى هذا الشأن يفتقر إلى الدليل المثبت له، فإن هذا الحالة لا تدخل فى حالات الاستثناء التى تندرج تحت مفهوم حالة ضياع الشيك – وهى الحالات التى يتحصل فيها على الشيك عن طريق جرائم سلب المال كالسرقة البسيطة والسرقة بظروف والنصب والتبديد وأيضا الحصول عليه بطريق التهديد.
فحالة الضياع وما يدخل فى حكمها هى التى أبيح فيها الساحب أن يتخذ من جانبه ما يصون به ماله بغير توقف على حكم القضاء تقديرا من الشارع بعلو حق الساحب فى تلك الحال على حق المستفيد استنادا إلى سبب من أسباب الإباحة وهو ما لا يصدق على الحقوق الأخرى التى لا بد لحمايتها من دعوى ولا تصلح مجردة سببا للأباحة. لما كان ذلك، وكان سوء النية فى جريمة إعطاء شيك بدون رصيد يتوافر بمجرد علم مصدر الشيك بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب فى تاريخ الاستحقاق، فان الأسباب التى ساقها الطاعن للتدليل على حسن نيته من توقيعه على الشيكين بسبب المعاملات التى كانت قائمة بينه وبين المدعى وما اقتضته من إصدارهما ضمانا لوفائه بالتزاماته ومن أنه وقت إصدارهما كان دائنا للمدعى بصفته لا مدينا – لا تنفى توافر القصد الجنائى لديه ولا تؤثر فى مسئوليته الجنائية.
ولا على المحكمة إن هى التفتت عن الرد على مناحى دفاعه فى هذا الشأن كما أنها صاحبة الحق فى تقدير قيمة ما يقدم لها من أوراق. ولما كانت قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة لها أصلها الثابت فى الأوراق، وكان استخلاصها سائغا وفيه الرد الضمنى على ما يخالف هذه الأدلة ويؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم، فان النعي عليه بدعوى القصور فى التسبيب يكون فى غير محله. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
The post «النقض»: إعطاء الشيك بغير إثبات القيمة أو التاريخ يفيد أن مصدره قد فوض المستفيد في وضع هذين البيانين appeared first on نقابة المحامين المصرية.